الأخبار الرئيسية

مركز الاخبار

جهود تربوية تواكب التحول الرقمي للنهوض باللغة العربية تعليمًا وتعلمًا

تاريخ نشر الخبر :22/12/2024

إن اللغة العربية ليست كأي لغة أخرى فهي اللغة الأكثر ثراء في العالم، فاستطاعت بفصاحتها وبلاغتها وحسن جمال ألفاظها ودقة لطف معانيها أن تكون اللغة التي ينزل بها كلام الله للبشرية جمعاء، فجابت الآفاق حتى وصلت إلى أصقاع العالم وآفاقه المختلفة، وهي لغة العلوم؛ إذ ترجم بها علماؤنا القدماء علوم الهند والصين والفرس واليونان، فحفظوا بها علومًا ما كانت لتصل إلى أقطار الدنيا لولاها، وبها أحدثوا نقلة نوعية في مجالات العلوم المتنوعة، مثل: الفنون والشعر، والطب والرياضيات والهندسة وغيرها، فما أروعها من لغة وما أجملها من لسان.

إن تخصيص منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) يوم الثامن عشر من ديسمبر من كل عام للاحتفاء باللغة العربية ما هو إلا تخليدٌ لمآثرها، وإحياءٌ لدورها كوسيط لغوي لنقل العلوم والمعارف المختلفة عبر العصور، وتكريمٌ للناطقين بها، إذ يتحدث بها ما يربو عن (400) مليون نسمة حول العالم، وتستوعب أكثر من (12) مليون كلمة، وهي اللغة الرسمية في (25) دولة، فلا عجب أن اعتمدت المنظمة في عام 1973م اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية الست لتكون ضمن اللغات الحاضرة في المؤتمرات العامة للمنظمة.

وفي هذا العام 2024، اعتمدت المنظمة المحور الرئيس لليوم العالمي للغة العربية  ليكون بعنوان:" اللغة العربية والذكاء الاصطناعي: تعزيز الابتكار مع الحفاظ على التراث الثقافي"؛ للسعي نحو تأصيل الدور الحضاري الذي تضطلع به اللغة العربية كونها أداة لنقل المعارف، وإحدى أدوات ترسيخ الأمن والسلام بين شعوب العالم؛ وهذا بلا شك يؤطر العلاقات الإنسانية، ويعزز تواصلها في المجالات الحضارية المختلفة، لاسيما في ظل الرقمنة  وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، والتعددية الثقافية، وحفظ التراث الثقافي واستدامته.

شخصيات عمانية خالدة

وتشارك سلطنة عمان ممثلة بوزارة التربية والتعليم دول العالم الاحتفال بهذا اليوم، بالتعاون مع عدد من المؤسسات الأكاديمية والحكومية التي تُعنى باللغة العربية، بإقامة الندوات والكثير من المناشط والفعاليات للنهوض والاعتزاز بها، بالأضافة إلى  أن علاقة اللجنة الوطنية العمانية للتربية والثقافة والعلوم بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) ومراكزها ومعاهدها الاقليمية والعربية والإسلامية تتيح لها تبادل الخبرات وبناء القدرات في مجال علوم اللغة العربية وتعلمها، وقد نظمت اللجنة الوطنية العمانية للتربية والثقافة والعلوم ممثلةً بدائرة المدارس المنتسبة لليونسكو وأندية الشباب وبرامج اليونسكو ـ عبر تقنية الاتصال المرئي ـ الحفل الختامي لبرنامج التوأمة بين المدارس العُمانية المنتسبة لليونسكو ونظيراتها من مدارس سلطنة بروناي دار السلام؛ بهدف تعزيز اللغة العربية لدى الطلبة المشاركين من خلال تعزيز ثقافة التحدث باللغة العربية، إلى جانب نجاح سلطنةِ عمانَ في إدراجِ أحمد بن ماجد المّلاح  العُماني ضمن برنامج اليونسكو للذكرى المئوية أو الخمسينية للأحداث التاريخية المهمة والشخصيات المؤثرة عالمياً، وذلك خلال انعقاد أعمال الدورة 41 للمؤتمر العام لليونسكو بمقر المنظمة بباريس بتاريخ 11 نوفمبر من عام 2021، نظرًا  للأدوار الجليلة التي قام بها، إذ تمكن من وضع أسس الملاحة البحرية وقواعدها، متخذًا من اللغة العربية نقطة عبور للعالمية، الذي يظهر جليًا في مخطوطاته، التي تضمنت عددًا لا يستهان به من القصائد  والأراجيز الشعرية، وبذلك يخلد اسم مّلاح عُمان  وشاعرها الكبير في قائمة مبدعي العالم، وقبله الخليل بن أحمد الفراهيدي عالم اللغة الأول، التي كان لإسهاماته الأثر الأكبر في مجال النهوض باللغة العربية؛ من تأليفه  لمعجم العين -المعجم الأول للغة العربية، وتفسيره  لفكرة الجذور الثنائية والثلاثية والرباعية والخماسية للأفعال في اللغة العربية، وتأسيسه لعلم العروض، وعلم أصول  النحو وقواعده، ويعد شاعر عُمان الكبير   أبو مسلم البهلاني من الشخصيات العُمانية المؤثرة عالميًا، فهو صحفي ولغوي وشاعر وفقيه، وله من الممكنات التي قادت اللغة العربية إلى آفاق أرحب وأوسع لاسيما في مجال الصحافة والأدب خاصة الشعر.  كذلك يأتي إدراج الخط العربي كملف مشترك مع (15) دولة عربية أخرى في 14 من ديسمبر من العام 2021 على هامش الاجتماع السادس عشر للجنة الدولية الحكومية لصون التراث الثقافي غير المادي، ليحكي نجاح تجربة أخرى تضاف لسلطنة عُمان، كون الخط العربي يُشكل أحدّ مفردات الحضارة العربية، ويصون الهُوية الثقافية، ويُعزز الحوار بين الثقافات العالمية، و تنظم اللجنة بالوطنية  في هذا اليوم ملتقى "فضاءات اللغة العربية والتحولات الرقمية"؛ بهدف إبراز أهمية اللغة ودور اللغة العربية في التطور الحضاري للمجتمعات الإنسانية، وتعزيز البحوث العلمية والتربوية في مجالات اللغة العربية، وممارسة تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تنمية مهارات اللغة العربية وتوظيفها.

التحول الرقمي ومنصات إلكترونية

وتبذل وزارة التربية والتعليم جهودًا جبارة في مجال تعليم اللغة العربية وتعلمها انطلاقًا من تنمية كفايات معلمي اللغة العربية، وترسيخها في نفوس الطلبة كونها إرث ديني وهوية لغوية وثقافية، كمشاركة سلطنة عمان في الدراسة الدولية لقياس مهارات القراءة PIRLS26 تأكيدا لاهتمام الوزارة في رفع مستوى أداء طلبة السلطنة في مهارات القراءة وفهم المقروء ومهارات التفكير العليا، وذلك من خلال الجهود المبذولة في هذا المجال من خلال المشاغل والدورات التدريبية والزيارات الميدانية للحقل التربوي، وتبنّي منصات إلكترونية تسعى لتحقيق التحول الرقمي؛ استعدادا للمشاركة في الدراسة الدولية  PIRLS26 وقد تم تطبيق أحد هذه المنصات في عدد من المدارس في جميع محافظات السلطنة تجريبيًا، وكان لها أثر في تشجيع الطلبة على القراءة الإلكترونية كونها أحد خطوات التحول الرقمي في مشروع رقمنة المناهج الدراسية، وسيتم تطبيق المنصة الأخرى بدءا من الفصل الدراسي القادم.

برامج نوعية لمعلمي اللغة العربية

وأولت الوزارة ممثلة بالمعهد التخصصي للتدريب المهني للمعلمين اهتمامًا خاصًا بمعلمي اللغة العربية، من خلال تنفيذه عددًا من البرامج تعمل على مواكبة التقدم وتطوير مهارات المعلمين في الأداء، منها: "برنامج اللغة العربية للحلقة الأولى(1-4)"، الذي يركز على جميع المهارات اللغوية وتدريس اللغة العربية وفق أساليب وإستراتيجيات التدريس الحديثة، و"برنامج خبراء اللغة العربية(5-12)"، الذي يقوم على تغطية احتياجات المعلمين في تدريس مهارات اللغة العربية بطريقة عصرية، وكذلك "برنامج صعوبات التعلم" الذي يستهدف معلمات صعوبات التعلم المستجدات في البرنامج؛ لتمكينهن من الكفايات اللازمة لمعلم صعوبات التعلم من حيث التشخيص وتقييم الطلبة في اللغة العربية ووضع خطط تعليمية فردية ومواءمة آليات التقييم والمتابعة في الغرف الصفية؛ وذلك بهدف دعم الطلبة في البيئات التعليمية المختلفة وتكييف التعلم بما يتناسب مع حاجاتهم وقدراتهم الفعلية، ويستهدف هذا البرنامج كذلك معلمات صعوبات التعلم في الحلقتين الأولى والثانية من الصف الثاني الأساسي إلى الصف السادس.

وفي مجال تحقيق التنمية المهنية لمعلمي ومعلمات اللغة العربية في المستجدات في الساحة التربوية عُقدت (ندوة اللغة العربية الرابعة)؛ استكمالاً لسلسلة الندوات السابقة التي تناولت موضوعات مهمة في مجال اللغة العربية، ركزت على جوانب تتماشى مع رؤية عمان 2040 في مجال التقانة والذكاء الاصطناعي.

مناهج تعليمية مطورة

وتعمل الوزارة ممثلة بالمديرية العامة لتطوير المناهج على تطوير مستوى أداء الطلبة في مهارات اللغة العربية، من خلال بناء مناهج تعليمية مطورة تتواكب ومتغيرات المرحلة وتتلاءم مع خصائص عمر الطالب؛ ليكون رفيقه وأنيسه في رحلته العلمية المليئة بالمغامرات والتشويق بتقديم نصوص علمية وأدبية منتقاة بعناية كبيرة تمثلت في نصوص: (شعرية، وقصصية، وسير ذاتية وغيرية ومسرحيات ومذكرات ويوميات، ونصوص إقناعية وإيعازية وتفسيرية وغيرها..) التي راعت المستوى المعرفي واللغوي والخصوصية الثقافية للمجتمع؛ لأجل تنويع خبرات الطالب وإكسابه مهارات التفكير الناقد والإبداع والتواصل اللغوي وغيرها من المهارات، ومن جهة أخرى اعتنت مناهج اللغة العربية المطوّرة بتكامل المهارات اللغوية الأربع: (استماع وتحدث وقراءة وكتابة) سواء في المحور الواحد أو الوحدة التعليمية؛ فما يتعلمه الطالب من نمط في القراءة سيتدرب على محاكاته أو إنتاج نص آخر في التعبير. وإذا كان النص القرائي مرتكزًا على الوصف مثلا، جاء نص الاستماع ليتناسب ونمط الوصف، وكذا في أنشطة التحدث وبقية المهارات اللغوية في ذلك المحور؛ وبهذا استطاع الطالب أن يكتسب المهارة وينتجها في الوقت ذاته.

مبادرات ومنصات تفاعلية

تبنت الوزارة عددًا من المشاريع والمبادرات لدعم تعلم الطلبة في اللغة العربية والقراءة الحرة، منها: مبادرة تطبيق مجموعات قصصية متدرجة ومصنفة تصنيفاً علمياً؛ وذلك لتحسين مستويات الطلبة في مهارتي القراءة والكتابة بأسلوب شائق وجاذب عن طريق سلسلة من قصص الخيال والواقع بما يسمح بتطوير مهارات اللغة ومفرداتها، وبما يحقق المخرجات الواردة في وثيقة معايير اللغة العربية للصفوف (1-4)، إذ تنفّذ تلك القصص تحت إشراف معلمات المجال الأول، وذلك ضمن الحصص المخصصة للقراءة الحرة الواردة في جدول توزيع حصص مناهج اللغة العربية، ووفق نشرة توجيهية خاصة بها، ومن المؤمل التوسع فيها لتشمل الصفين الخامس والسادس بدءا من العام الدراسي القادم، ونفذ قسم مناهج اللغة العربية بالمديرية عددًا من حلقات العمل في القراءة الموجهة والمتدرجة، استهدفت فيها مشرفات ومعلمات المجال الأول بمدارس السلطنة.

ومبادرة التطبيق التجريبي لمنصة (كتبي)، وهي منصة رقمية تفاعلية للقراءة المتدرجة، تمكّن الطلبة من القراءة وفق مستوياتهم القرائية، في بيئة رقمية تفاعلية شائقة، متضمنة مجموعة واسعة من القصص والكتب، وفي جو تطبيقي مرن، يعطي الطالب الحرية في التفاعل والقراءة واختيار القصص والكتب المناسبة لميوله وحاجاته، وتُطبّق المنصة حاليا على عينة تجريبية من طلبة الصفين الثالث والرابع في المدارس الحكومية بسلطنة عمان، ويشارك مختصو مناهج اللغة العربية بهذه المديرية في فرق عمل وبرامج معنيّة بتطوير مهارات اللغة العربية، و المشاركة في عدد من الملتقيات والندوات التربوية العلمية، وإدارة برنامج (التأهيل اللغوي) المطبق حاليا لصعوبات التعلم، والاشتراك في برنامج تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها لمعلمي وطلبة سلطنة بروناي دار السلام.

سلاسل قصصية

ومن هذه المبادرات أيضًا بناء سلاسل قصصية للمطالعة الحرة والإثرائية لطلبة الحلقة الأولى، وقد تحقق من خلال هذا المشروع مجموعة من الأهداف أهمها: بناء وصقل مواهب وقدرات المعلمين والمعلمات من الحقل التربوي في كتابة قصص للأطفال؛ فأصبح لدينا كادر مؤهل لكتابة قصص الأطفال، وفق معايير أدب الطفل، تنمية قدرات وخبرات معلمين ومعلمات من الحقل التربوي في رسم قصص الأطفال، وقد أتاحت التجربة في رسم قصص (سلسة المنار) لهؤلاء المعلمين والمعلمات فرصة المشاركة في المسابقات العالمية في مجال الرسم في أدب الطفل، كما أصبحت دور النشر العربية تستعين بهم لرسم القصص التي تنتجها، وإنتاج سلسلة مكونة من أربعين قصة شائقة وجاذبة للطفل تنتثر بين ثنايا الحكاية قيم وسلوكيات مهمة في احترام الآخر، وتقبله، وحب الوطن والانتماء إليه، ومراعاة ذوي الإعاقات المختلفة، كما تتضمن القصص نصائح مهمة للأم والأب والمعلم في كيفية التعامل مع الطفل، وإشعاره بالأمان وتشجيعه، واكتشاف مواهبه، إلى جانب إخراج قصص سلسلة المنار الأربعين إلى قصص متحركة ومرئية ومسموعة بشكل شائق يجذب الطلبة لمشاهدة القصص، ومن ثم قراءتها، وصممت القصص كذلك بلغة الإشارة؛ ليتمكن الطلبة ذوي الإعاقة السمعية من فهم مضمون القصص، و أنتهت الوزارة كذلك من طباعة مجموعة (الفنار القصصية) لطلبة الحلقة الثانية وتتألف مما يقارب ستين قصة موزعة بين ثنايا عشرة كتب تم إخراجها بشكل شائق وجذاب، وهي لا تقل أهمية وقيمة وجمالاً وجاذبية من قصص (سلسلة المنار).